صناعة النفس

عَرَفَ طريقه إلى البرج دون الحاجة للعنوان. كلُّ ما كان على الأستاذ أن يفعله هو توجيه بصره إلى ما فوق أبنية مدينة الإبتكار المنخفضة ليرى برجاً واحد يرتفع فوق ما حوله. أصبح لَمَعان واجهات البرج المتموّجة بوصلته والهدف. ركن سيارته عند أقدام أعمدة البرج الفولاذية التي غُرست أساستها عميقاً في الأرض وثقبت رؤوسها السماء. نزل من السيارة و نظر إلى البرج بتمعن: لاحظ أن زجاج البرج ذو طبيعة متقلبة: فهو يظهر شفافاً من بعض الزوايا ليصبح كل ما يدور في طوابق البرج الأربعين مكشوفاً للشارع ولكن يمكن لأي تغيير لزاوية الرؤية أن يقلب شفافيته إلى أسطح فضية عاكسة تمنع الرؤية تماماً. رغم ذلك فإن واجهات البرج المطوية تكون خليط من الشفافية والإنعكاس (الظهور و الإختباء) من أغلب الزوايا.

دخل الأستاذ من البوابة الرئيسية ووقف وسط ردهة الإستقبال. كانت الصالة مرتفعة السقف وبسيطة التصميم. من جنبيه مقاعد موزعة لتكوين جلسات مستديرة لها طابع عصري ويغلب على صنعتها المعادن و الجلود. لكن ما جذب انتباهه كانت اللوحتان المعلقتان على الحائطين الرماديين خلف الجلسات. كلتا اللوحتين كانت انفجار من الألوان الفاقعة بعضها ينتشر بعنفوان وبعضها يتقلص ليصبح خطوط رفيعة. كانت الألوان تسبح دون أن تتحرك فشكّ الأستاذ بكونها ثلاثية الأبعاد رغم استقامة سطحي اللوحتين. عندما دقق النظر اكتشف أن أحد اللوحتين تمثل شبكة معقدة من الخلايا العصبية للدماغ. أما اللوحة الأخرى فكانت لشريحة إلكترونية تتشابك فيها المسارات الكهربائية. قبل أن يتمكن من التدقيق أكثر لكشف أسرار اللوحتين سمع صوت جهوري يملأه المرح:

- أهلاً بك يا أستاذ!

تقدم نحوه رجل في أول الخمسينيات من عمره قصير القامة وممتلئ الجسد. عرف الأستاذ أنه بو سالم الرجل الذي جاء ليقابله. أكمل بو سالم كلامه بعد أن صافح الأستاذ بحرارة وربت على كتفه بِوِد كأنه يستقبل صديق قديم:

- كما تعرف يا أستاذ أنا المسؤول على تشغيل هذا البرج وبالخصوص إدارة الأعمال اليومية لفريق الروبوتات الذي يعمل هنا. لدينا حالياً أكثر من عشرة روبوتات تقوم بأعمال متنوعة منها استقبال السكان والزوار والتنظيف والطبخ وإصلاح الأعطال الميكانيكية وغير ذلك. أنا متأكد من أن أستاذ متميز في مجال الروبوت مثل حضرتك سينبهر بالتقدم التكنولوجي الذي حققناه في هذا البرج. كما أنني سعيد لأني سأتعاون معك كمستشار من خلال عملك في الجامعة. كما تعرف هذا البرج تملكه الجامعة وتشغله كسكن لأساتذتها ومختبر لتجربة أحدث التقنيات الروبوتية التي تطورها.

لم يستطع الأستاذ أن ينطق بأكثر من "شكراً لك يا بو سالم..." حتى استمر بو سالم حديثه المندفع:

- هيا تعال إلى طاولة الإستقبال لترى بعينك ما أتحدث عنه.

بعد أول خطوتين مشياهما نحو طاولة الإستقبال تدارك بو سالم تسرعه فقال ووجهه (المنحصر بين حاجبين عريضين و لحية كثيفة) يُظهر جرعة مبالغة من الندم:

- يا لقلّة أدبي! نسيت أن أسألك عن أحوالك! كيف كانت رحلتك إلى هنا؟

- لا داعي للإعتذار! في الحقيقة كانت الرحلة طويلة ومتعبة. لا أخفي عليك أنني الآن أعاني من صداع خفيف وأفكاري ملخبطة نوعاً ما خاصة و أنه يبدو أن كل شيء في هذا البرج يستحق الدراسة و التدقيق. بينما أشعر كأنني استيقظت للتو من نوم عميق!

تطلع إليه بو سالم بتعاطف وقال:

- سمعت هذه الكلمات ينطقها كثير ممن جاءوا إلى هذا البرج بعد سفر طويل. ولكني أبشّرك بأن حالتهم انقلبت إلى الأفضل بعد أن استقروا هنا ليوم أو يومين.

قال تلك الجملة الأخيرة و قد عادت ملامحه من الجدية إلى المرح. ثم أشار بيده إلى الشابين الوسيمين الجالسين وراء طاولة الإستقبال وكانا قد وصلا إليها. نظر إليهما الأستاذ فأحس بشعور غريب عندما أدارا وجهاهما ببطء حتى صارا ينظران في عينه مباشرة. صرّح بو سالم بفخر:

- هذا سالم ب و هذه عبير أ. هما روبوتان قد تم تطويرهما في الجامعة قبل عدة سنوات وما زالا يخدمان السكان والزوار على أكمل وجه ودون أي خلل. لقد صُمّما لهذه المهمة خصيصاً فكما تلاحظ ليس لهما أرجل بل إنهما مثبتان على المقاعد.

كان الأستاذ ينظر إليهم بتعجب وهو يسمع شرح بو سالم. ما زاد من ارتباكه هو أن الروبوتان لم يرمشا أو يتوقفا عن التحديق في عينيه طوال تلك الفترة. قال الأستاذ بعد أن جمع أفكاره:

- لم أكن أعلم أن مختبر الروبوتات في الجامعة قد وصل إلى هذه الدرجة من التطور! يبدوا أن عليّ تعلم الكثير قبل أن أستطيع التدريس هناك. هل يتكلمان؟

- بالطبع! ولكن يجب عليك أن توجه الكلام إليهما مباشرة. مثلاً: سالم ب و عبير أ هل بإمكانكما إخباري رقم الطابق والشقة التي حُجزت للأستاذ؟

التفت وجها الروبوتان ببطء نحو بو سالم حتى صارا يحدقان في عينيه ثم تحركت شفاهمما بحركات وسرعة متطابقة وصدر صوتهما يقول:

- شقة الأستاذ في الطابق السابع والثلاثين ورقم الشقة اثنا عشر.

- شكراً جزيلاً.

تبدّلت ملامح الأستاذ من التعجّب إلى الإنعجاب. لاحظ ذلك بو سالم فقرر أن ينتهز الفرصة:

- إذا كانا هذان الروبوتان قد أعجباك فإنك ستسعد أكثر لما سأريك إياه لاحقاً. فهذان الروبوتان ما هما إلا جزء بسيط من النظام الأوتوماتيكي المشغّل لهذا البرج. كل أجزاء البرج والروبوتات العاملة فيه تدار من قبل حواسيب ذكية بشكل موحد حتى أن البرج وكل من فيه يمكن اعتباره كيان واحد.

ثم أشار بيده حول ردهة الإستقبال مركزاً على نقطٍ حمر وجدت في أغلب الزوايا وعلى الأعمدة الرخامية السوداء وعلى تضاريس السقف المتعرجة. قال وهو يبتسم:

- أترا كل تلك العدسات؟ إنها تراقب كل ما يحصل في هذا البرج وتروي بتلك المعلومات الحواسيب الذكية التي بدورها تقوم بإدارة البرج بفاعلية شبه كاملة. تعال لنذهب إلى المصاعد لأريك شقتك.

مشى بو سالم وسار وراءه الأستاذ وهو يتلفّت ليعد العدسات المُراقِبة فلم يستطع أن يحصيها كلها ولكنه أدرك أنها في كل لحظة تصوره من جميع الاتجاهات. أخذ يسرع من خطواته ليلحق ببو سالم.

- وماذا عن الخصوصية يا بو سالم؟ كيف للمرء أن يشعر بالراحة في شقته إذا عرف أنه مراقب؟

- لا تقلق يا أستاذ. نحن حريصون على الخصوصية ولذلك فإن كل المعلومات والصور التي يتم جمعها تظل مشفّرة وليس لأحد سوى الحواسيب الإطلاع عليها وذلك لا يكون إلا لخدمة السكان. تذكر أن للروبوتات أشكال إنسانية و لكنها في النهاية برمجات رقمية لا تعرف العاطفة أو الخجل أو حتى معنى الخصوصية. كل ما تفعله هو لخدمة البشر لأنها بُرمجت لذلك الغرض.

كانا قد وصلا إلى زاوية المصاعد. استدار بو سالم وابتسم للأستاذ وعيناه تبرقان بمكر ثم قال:

- إلا إذا كنت تعتقد أن للروبوتات عواطف وأفكار مثل الإنسان وأنها تستحق أن نخجل من مراقبتها لنا؟

- لا أنا لا أعتقد ذلك. ولكنني ما زلت غير مرتاح من كوني تحت المراقبة.

- ستتعوَّد!

قال بو سالم تلك الكلمة الصادمة وضحك بصوت عالي ويديه الكبيرتين تمسكان بكرشه المهتز. ثم توجه إلى لوحة المصاعد التي لم يكن عليها غير واحدة من تلك العدسات المحاطة بعدد من النقط الضوئية الحمراء. ما أن وقف أمام العدسة حتى تحركت على الشريط العامودي التي كانت مثبتة عليه لتكون أمام عينيه مباشرة. بعد لحظة تحولت الإضاءة الحماء إلى خضراء وفتح باب أحد المصاعد وسُمع صوت يقول:

- إلى الطابق السابع والثلاثين.

دخلا المصعد وأغلق الباب بصوت خافت يشبه الهمس. سأل الأستاذ:

- كيف عرف المصعد إلى أي طابق كنا نريد الصعود إليه؟

ابتسم بو سالم بدراية فعرف الأستاذ أنه تعمَّد عدم شرح المسألة من قَبل حتى يتلذذ بالجواب على السؤال الذي تأكد أنه سيأتي لا محالة.

- إن هذه العدسات بإمكانها إذا ما وقفنا بقربها و نظرنا إليها أن تقرأ أفكارنا البسيطة. كل ما كان علي فعله هو التحديق بالعدسة والتفكير بالرقم سبعة وثلاثين.

- عجيب!

أخذ المصعد بالإرتقاء بكل سلاسة وكأنه يطفو على غيمة. كانت أرضية المصعد وسقفه عبارة عن ألواح معدنية فضية لامعة. أما الحوائط فقد استحوذت على انتباه الأستاذ بمادتها المتقلبة. فكانت تسبح على سطح الحوائط بقع هلامية تتحول من مرآة مغبشة إلى زجاج شفاف. لعدة لحظات يرى الأستاذ وجهه المشوَّش منعكس على المرآة فيحاول التدقيق فيه كأنه يكتشف ملامحه للمرة الأولى ولكن تحوّل المرآة إلى زجاج شفاف يمنعه من ذلك. حينها يرى ما وراء زجاج المصعد من فضاء شاسع يحتوي على "عقل" البرج (كما عبر عنه بو سالم لاحقاً) وهو عبارة عن حواسيب عملاقة ترقص عليها الأضواء وأسلاك شائكة وأنابيب ضخمة متداخلة بتعقيد.

راقب بو سالم استغراب الأستاذ فظن أنه انبهر بما رأى وراء زجاج المصعد من تطور تكنولوجي واضح. ولكن في الحقيقة كان استغراب الأستاذ راجع إلى تلك اللحظات الخاطفة التي لمح فيها انعكاسه فلم يعرف فيها نفسه!

فُتح باب المصعد وخرجا إلى ممر ملتوي ذو إضاءة خافتة. كانت أرضية الممر و سقفه مغطان بسجاد رمادي متين امتص خطواتهم دون الإفلات بأي صوت. أما الحوائط فقد لُصِق عليها ورق أسود رُسمت عليه أشكال هندسية عبر نتوءات دقيقة لا تلاحَظ إلا عند اللمس أو عندما ينعكس عليها النور بزاوية معينة. أبواب الشقق كانت رمادية وفي وسط كلٌ منها عدسة بنقاطها الحمر.

لم يعكر الهدوء السائد سوى صوت مكنسة كهربائية سمعاها ولم يريا مصدرها نتيجة التواء الممر. بعد عدد من خطوات حينما وصلا منتصف الممر رأيا عاملة نظافة تقوم بكنس الممر بسرعة مذهلة كأنها ترقص بحماسة و دقة. قال بو سالم عندما وقفا خلفها:

- أهلاً بكِ يا عبير ن.

توقفت عبير ن عن العمل والتفتت متوجهة لبو سالم. لاحظ الأستاذ أن ملامح وجهها متطابقة مع عبير أ التي التقياها عند طاولة الإستقبال. الفرق كان في تسريحة الشعر وكون عبير ن تمتلك رجلان تقف عليهما.

- أهلاً بكَ يا بو سالم.

قالت ذلك عبير ن و توقفت في مكانها كالدمية محدقة في عيني بو سالم دون أن تصدر منها أية حركة إضافية أو نَفَس وكأن الزمن توقف عندها بينما استمر بالنبض لغيرها. سأل الأستاذ:

- أجميع الروبوتات لهم وجوه و أجسام متشابهة؟

- نعم. وذلك القرار أتّخذ من الجامعة لتسهيل تعرف الناس على الروبوتات. لدينا شكلان للوجوه: سالم الذي يشبه الذكور وعبير التي تشبه الإناث. رغم أن ذلك إختلاف سطحي فالأجهزة المحركة والتقنيات المطورة للتحكم بالروبوتات لا تختلف بينهما. حتى الصوت كما يجب أنك لاحظت لا يختلف بين السوالم و العبائر.

- كم باهتة ومُحْبِطة ستكون الحياة لو أننا كنا متشابهين في الشكل والمضمون!

قال الأستاذ ذلك وهو ينظر إلى عبير ن بشفقة. ارتبك بو سالم لهذا التحول في المزاج من المباهات بالتطور التكنولوجي إلى التفكّر الفلسفي ولكنه تماسك نفسه وحاول أن يعيد المزاج كما كان فقال مبتسماً:

- إذن فمن المناسب أن تكون الروبوتات لا تشعر بالإحباط! أليس كذلك يا أستاذ؟ دعك من هذه الأفكار الكئيبة وتعال لأريك شقتك الجديدة.

مشيا بضع خطوات حتى وصلا إلى بابٍ كُتب عليه الرقم إثنا عشر. لوّح بو سالم فعرف الأستاذ أن عليه أن يقف أمام الباب و ينظر في العدسة. صعدت العدسة تسلقاً على شريطها العامودي حتى صارت أمام عينيه. بعد لحظة تحولت النقط الحمر حول العدسة إلى اللون الأزرق و فتح الباب. فجأة هجمت عليه وعلى الممر من خلفه أشعة الشمس المتوهجة فشتتت ظلمة الممر وأغرمته على حماية عينيه بيده اليمنى. دخل الشقة وعبر الممر حتى وصل إلى الصالة. استغرقت عينيه عدة لحظات للتأقلم على النور الساطع من نوافذ الصالة الكبيرة. عندها استطاع الأستاذ أن يتأمل الشقة ويكتشفها بعينيه الفضوليتين.

جميع ما في الشقة من أسطح و قطع أثاث كان باللون أبيض. ذلك البياض الكامل تشرّب نور الشمس بِنَهَم وأعاد بثّه في الهواء المشتعل. كلما أطال الأستاذ النظر كلما شعر أن الهواء من حوله سيذوب وأن الأثاث سيتفتت إلى غبار من ضوء. كان يعيش إحساس الحُلُم.

شعر أن عينيه ترى كل شيء بوضوح لم يعرفه من قبل: أقمشة المقاعد وعروق الرخام وملاسة الحديد وألياف الخشب. حتى الأصوات كانت ترن في أذنية بدقة. كل خطوة مشاها باتجاه النافذة كان يسمع تفاصيلها وكأن صداها متجسد أمام عينيه بكل تعرجات موجاته. وقف عند النافذة التي غطّت مع أخواتها أحد الحوائط بالكامل فرأى مدينة الإبتكار ممتدة من تحته وبعدها حرم الجامعة.

تركه بو سالم لبعض الوقت كي تأخذ عيناه الوقت الكافي لاستيعاب المكان والمنظر. ثم سأل أخيراً:

- ما رأيك في الشقة يا أستاذ؟

فكر الأستاذ ثم تنطّق كلماته بتردد دون أن يلتفت.

- إنها جميلة. أجمل مما توقعت. ولكنني أشعر بشيء غريب كأن أفكاري تلخبطت وتغير تربيبها. كأنني أتذكر المستقبل وأنتظر الماضي. لا أعرف كيف أشرح لك ولكن صداعي الذي كنت أعانيه من مشقة السفر قد تحول من مجرد ألم إلى حركات تلعب في أفكاري.

صمت قليلاً ثم التفت ليتفحص الشقة حتى أوقف عينيه لتلاقيا عيني بو سالم المنتبه. ثم أكمل كلامه:

- لدي سؤال غريب. أشعر أنني عشت في هذه الشقة من قبل. أشعر أنني لو ذهبت إلى محلات الأثاث لن أشتري غير هذه القطع ولن أختار غير اللون الأبيض. هل وضعتم هذا الأثاث هنا من أجلي خصّيصاً أم أنه متكرر في جميع الشقق؟

رفع بو سالم حاجبيه بإعجاب كأن دقة وصف الأستاذ قد فاجأته.

- شعورك صادق يا أستاذ ولكن الموضوع يحتاج شرح. فنحن وضعنا الأثاث هنا لأنك أنت الذي اخترته قبل أن تأتي إلينا وإنْ لم تتذكر ذلك. في الوقت نفسه هذا الأثاث متكرر في عدد من الشقق الأخرى.

- لم أفهم.

- تعال وانظر من هنا وستفهم.

قال ذلك بو سالم و أشار إلى المرآة التي تحتل جزء من الحائط عند مدخل الشقة. لم يكن الأستاذ قد لحظ المرآة عند دخوله لدهشته بسطوع النور الذي أعماه عن كل شيء سواه. تقدم الأستاذ نحو المرآة بخطوات بطيئة. نظر فيها فلم يجد نفسه. وجد سالمٌ واقف في مكانه ويرتدي ملابسه. حرك يديه ليجد نفسه. لم تتحرك سوى يديّ السالم. كان ذاك هو، أما هو هو فلم يكن موجود.

اشتد الصداع بين أذنيه كأنما أجراس نحاسية تقرع حوائط جمجمته. أمسك نفسه. حاول أن يعيد توازنه. لم يفهم شيء. كيف هو سالم بشكله ووجهه وطوله؟ أخذ يبحلق عينيه بتركيز مؤلم في صورته التي ليست هو.

حاول أن يتذكر من هو ومن أين أتى قبل أن يصل إلى البرج. حاول أن يتذكر طفولته. حاول أن يتذكر أشخاص أو مشاعر أو أحداث عرفها قبل مدينة الإبتكار والبرج. في كل تلك المحاولات فشل.

أخيراً ظهر بو سالم من خلف انعكاسه في المرآة و قال بنبرة حنونة كأنه أباً يستقبل ابنه بعد سفر طويل:

- أهلاً بك يا أستاذ سالم ع في بيتك. لقد انتظرت هذه اللحظة طويلاً و سأشرح لك كل شيء الآن...